كيف انتقلت كندا من تصنيفها ضمن دول “العالم الثالث” إلى واحدة من أفضل دول العالم؟

Left: Justin Trudeau in this first year of office. (Ron Galella/WireImage) Right: Pierre Trudeau in his first year of office. (FREDERICK FLORIN/AFP/Getty Images)

من المعروف أن اقتصاد الدول يدور في حلقات دائرية.. أي كل أزمة يليها مرحلة نمو، على سبيل المثال الولايات المتحدة مرّت بـ11دورة اقتصادية كاملة النمو. الأمر ليس بهذه السهولة.. والأسباب إما سياسية أو سياسيين سيئين. لكن دولة قوية يمكنها تجاوز أقوى الأزمات. ومن المفاجئ أن نعلم بأن كندا، قد مرّت بأزمة اقتصادية وإفلاس كبير على الرغم من أنها الآن واحدة من أغنى الدول و أكثرها حرية وازدهار مع أعلى مستويات الحياة جودة.حيث كانت هناك فترة بين الستينات والسبعينات حيث كان كل شيء على وشك الانهيار.

اقرأ أيضاً:

بداية الكارثة

كندا كانت الشقيق التوأم للولايات المتحدة، حكومات صغيرة، لا مركزية في الدولة، وبالطبع نظام ضرائب مشابه لها. والفكرة الأساسية كانت المنافسة على جلب الاستثمارات وكذلك الناس من الخارج والمهاجرين.

ولكن.. كل هذا تغير في منذ 1960 عندما قررت كندا الابتعاد عن الولايات المتحدة وتجربة نموذج سياسي جديد. والمهندس الأساسي لهذه الثورة كان Pier Trudeau.

في البداية لنقل فقط إن سياسة الأب والابن مختلفة عن بعضها البعض.

والد ترودو حكم كندا بشكل متواصل منذ 1968 و 1984 والحقيقة أن البلاد تغيرت كثيراً خلال هذه السنوات الـ16، ترودو الأب أراد تنفيذ نموذج سياسي جديد مختلفاً قليلاً عن رأسمالية واشنطن وأقرب إلى حد ما من جماعيّة موسكو السوفيتية.

ومن المعروف عنه صداقته المقربة من (فيديل كاسترو) رئيس كوبا 1976-2008 والسكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي 1961-2011. لكن يمكننا أن نقول إن والد ترودو قد تمادى قليلاً، فقد رفع الضرائب كثيراً وزاد الانفاق على القطاعات العامة وأمّم الشركات (جعلها تابعة للقطاع العام)، لأنه اعتقد أن كل التجارة والاستثمارات الدولية كانت سيئة بسبب المنافسة. فقرر إقامة حواجز.

حسناً.. زيادة الحواجز تذكرنا بخطوات اتبعها الرئيس ترامب. وكذلك قام بجعل البنك المركزي يطبع الأوراق النقدية لتمويل الحكومة.. وهذا يذكرنا بخطوات اتبعتها فينزويلا.

ونتيجة كل هذا أنه في غضون سنوات قليلة، واجهت البلد عجز، بطالة، ومعدلات تضخم كبيرة.

وعندما ترك بيير ترودو الحكم كان الرئيس الأقل شعبية على مر عقود في كندا، حيث فقط 2 من كل 10 كنديين كانوا يدعموه. في ذلك الوقت كان على الكنديين اتخاذ قرار مهم جداً.

التغيير

في انتخابات سبتمبر 1984، فاز المحافظون بانتصار ساحق. حيث كان من الواضح إن الكنديون لا يمكن أن يستمروا على طريق ترودو. قرر رئيس الوزراء الجديد (برايان مولروني) عكس الوضع وبدأ في تعزيز العلاقات مع الرئيس (رونالد ريغان) رئيس الولايات المتحدة الـ40، وكانت هذه بداية حقبة جديدة.

على مدى الـ10 سنوات التالية، قامت حكومة المحافظين بالعديد من الأشياء لتحصين الاقتصاد الكندي. على سبيل المثال: خفض الضرائب، وتفاوضت على اتفاقية التجارة الحرة NAFTA التي توحد كندا والولايات المتحدة والمكسيك، واتباعاً لخطوات مارغريت تاتشر (رئيسة وزراء المملكة المتحدة 1979-1990) وزعيمة حزب المحافظين. أُطلقت خطة طموحة لخصخصة الشركات العامة الكبيرة مثل Air Canada و Petro Canada.

ولكن، نقطة الضعف هنا كانت عدم السيطرة على الانفاق العام. حيث في عام 1990، استحوذت الدولة على أكثر من نصف الاقتصاد، وكانت الضرائب لا تزال مرتفعة للغاية وكان هناك عجزاً عاماً كبيراً، وارتفع الدّين العام بشكل جنوني. إن المحافظون اتخذوا أسهل الإجراءات ولكنهم لم يلتزموا.

إذاً، مرة أخرى عام 1993 فاز الحزب الليبرالي اليساري مجدداً بزعامة بيير ترودو، واعدين هذه المرة بثورة حقيقية. ونظراً لخلفيته كان من الصعب تخيّل النجاح. لكن.. هذه المرة أرادوا التغيير بشكل جذري ونهائي. بعيداً عن موسكو أو النموذج السياسي السوفييتي.

كانت الفكرة الرئيسية هي أن نوعية الحياة لا تتعلق بالاقتصاد فقط، بل تعتمد عليه. اذا أرادوا تحقيق جودة عالية للحياة، فعليهم تعزيز اقتصاد كندا.

وهذا بالضبط ما فعلوه.. خاصة في عهد وزير المالية (بول مارتن) مهندس التغيير الحقيقي. وفي الحقيقة، خلال السنوات الأولى أنجزت هذه الحكومة العديد من الإنجازات: تخفيض الانفاق العام، الغاء العديد من البرامج الغير ضرورية مثل تخفيض اعانات العديد من الشركات وكذلك الانفاق العسكري بشدة.

وفي غضون سنتين فقط، انخفض الانفاق بمعدّل 15%، بموجب المبدأ الذي ينص على أن الدولة لا ينبغي أن تفعل الأشياء التي تستطيع الشركات الخاصة فعله بشكل أفضل.

قررت الحكومة الاستمرار في خطة الخصخصة (نقل الملكيات العامة إلى القطاع الخاص).. التي زادت إلى درجة خصخصة السكك الحديدية وحتى نظام إدارة الطيران. وعلى عكس التوقعات، لم تسقط الطائرات من سماء كندا ولم تزيد نسبة الحوادث، بل على العكس. نظام إدارة الطيران الكندي أحد أفضل الأنظمة في العالم.

وبعد 4 سنوات كان الوضع تحت السيطرة.

اقرأ أيضاً: 

المصدر: fiscal reference tables, department of finance canada

وبعد هذا بالطبع الكنديين اختاروا الحزب الليبرالي اليساري مرة أخرى عام 1997، الذي وعد بإنفاق حكومي أكثر حرصاً، وأيضاً ضرائب أقل، حيث وصفوا دورهم بأنه توفير الحماية للكنديين واعطاء الفرص للأشخاص اللذين يستحقوا وعدم إهدار مال الجميع.

قال بول مارتن في 2003 في مراجعة الـ10 سنين له خلال السلطة:

“علينا أن نبني اقتصاد القرن 21 في كندا من أجل الكنديين، لقد نجحنا في الـ10 سنوات الماضية لأننا لم نحيد عن مسارنا، الميزانيات المتوازنة، نسبة الدَّين في انخفاض مستمر، ضرائب أقل،..،يجب أن نبقى على هذا المسار. يجب أن تكون الحكومة ملتزمة بالمساءلة، حكومة تعامل أموال دافعي الضرائب وكأنها أموالكم”

النجاح

التغييرات التي شهدتها كندا في الثمانينات وخاصة التسعينات سمحت لها بالتغيير بشكل جذري. حيث انتقلت كندا من اعتبارها من دول العالم الثالث حسب صحيفة وول ستريت بسبب مشكل الدَّين العام، لتصبح الدولة الأكثر مواكبة للحداثة في العالم. إن الحزب الليبرالي لم يحل مشاكل كندا فقط، بل جعلها دولة جديدة.

كذلك كندا ليست ملاذاً من الضرائب، لكن الحكومة فهمت أن الشركات يجب مراعاتها وليس معاقبتها. حيث إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع الضرائب التي تدفعها هذه الشركات فإن وضع كندا مختلف للغاية، فهي واحدة من عدد قليل من البلدان المتقدمة التي خفّضت ضرائبها لما يقارب 20 عاماً لجعل الدولة تنافسية بشكل أكبر.

مصدر الصورة: PWC, paying taxes

 

حيث فضّلت هذه الدولة الضرائب الأضعف وزادت الرواتب وهي الدولة التي تستقبل الكثير من المهاجرين ومعدل التوظيف فيها مرتفع. ليس هذا وحسب، بل بالإضافة إليه تعد كندا في السنوات الأخيرة بطلة العالم في الحريات المدنية.

وهكذا نرى كيف تجاوزت كندا محنتها الكبرى، دولة ذات شخصيّة قويّة وتنافسيّة واقتصاد مفتوح عالمياً هو أفضل صيغة لتحسين نوعية حياة الجميع.

قد يهمك أيضاً:

نتمنى أن نكون قد أوصلنا المعلومات بطريقة تساعدكم لتبقوا على اطلاع دائم بكافة الأخبار والبرامج بخصوص الهجرة أو العمل أو الدراسة أو الحياة في كندا تابعوا صفحاتنا على التواصل الاجتماعي :

الفيسبوك: الحياة في كندا life in canada

الغروب :الحياة في كندا

ومجموعتنا الواتساب :الحياة في كندا

وقناتنا على التلغرام: الحياة في كندا

رهام الحلبي

 

شاهد أيضاً

13 كلية في أونتاريو ستستقبل عددا أقل من الطلاب الدوليين في عام 2024‏

‏بناء على إعلان حكومة ‏‏أونتاريو‏‏  ، قد يكون من الصعب الآن على ‏‏الطلاب الدوليين‏‏ قبولهم …

10 وظائف مطلوبة بشدة في فانكوفر

10 وظائف عالية الطلب في فانكوفر تدعمها الهجرة

تدعم الهجرة ‏‏الوظائف‏‏ عالية الطلب في فانكوفر في مجموعة متنوعة من القطاعات ، مما يجلب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *